اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 473
بالعقل الكامل والرشد التام الى ان آمَنُوا وأذعنوا بِرَبِّهِمْ اى بوحدة مربيهم باستعمالهم عقولهم الموهوبة لهم الى دلائل توحيده وَزِدْناهُمْ من لدنا بعد ما أخذوا بالتأمل والتدبر في آياتنا الدالة على عظمة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا هُدىً وزيادة رشد تفضلا وامتنانا
وَاثبتناهم في جادة الهداية والتوفيق بان رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ محبة الايمان والعرفان اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ قامُوا بين يدي دقيانوس الظالم الطاغي حين دعاهم الى الشرك والكفر على رؤس الملأ وهم بعد ما سمعوا منه دعوته قاموا من مجلسه منكرين فَقالُوا بلا مبالاة له ولسطوته وشوكته رَبُّنا اى الذي أظهرنا من كتم العدم وأوجدنا في فضاء الوجود ألا وهو رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى هو مربى العلويات والسفليات والغيوب والشهادات والظاهر والباطن قد أوجد الكل بوحدته واستقلاله في التصرف والاستيلاء بلا مشاركة مشير ومظاهرة ظهير ووزير وهو المستحق للالوهية والربوبية لَنْ نَدْعُوَا ولن نعبد مِنْ دُونِهِ سبحانه إِلهاً باطلا إذ لا مستحق للعبادة الا هو والله لئن دعونا وعبدنا الها سواه لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً اى قولا باطلا بعيدا عن الحق والتحقيق بمراحل وصرنا حينئذ مغمورين في الشرك والكفر وانواع الضلال والطغيان عصمنا الله منها
ثم قالوا على سبيل التعريض والتسفيه هؤُلاءِ الضالون من منهج الرشد ومسلك السداد قَوْمُنَا اتَّخَذُوا من شدة غوايتهم وضلالهم مِنْ دُونِهِ سبحانه آلِهَةً باطلة اى أصناما وأوثانا يعبدونها كعبادة الله لَوْلا وهلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ اى بحجة واضحة وبينة لائحة معجزة صادقة باهرة صادرة من قبلهم دالة على لياقتهم الألوهية والربوبية فان لم يأتوا فما هم الا مفترون على الله بإثبات الشريك له فَمَنْ أَظْلَمُ واطغى وأضل واغوى مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الواحد الأحد المستقل بالالوهية باتخاذ الشريك سيما أمثال هذه التماثيل العاطلة كَذِباً مخالفا للواقع غير مطابق له بلا مستند عقلي او نقلي بل ظلما وزورا وبعد ما قد جرى بينهم وبين دقيانوس ما جرى قال بعض الفتية لبعضهم قد وجب اليوم علينا الاعتزال منهم
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ايها الموحدون وهجرتموهم وَكذا ما يَعْبُدُونَ اى معبوداتهم الباطلة من الأصنام والأوثان التي هم يعتقدونها آلهة شركاء مع الله يعبدونها كعبادته وما تعبدون أنتم حينئذ إِلَّا اللَّهَ الواحد الأحد الحق الحقيق بالعبادة وتخلصون العبادة له سبحانه بلا خوف منهم ودهشة من مكرهم ومكائدهم وان فعلتم هكذا لكان اولى وأليق بحالكم وبالجملة اتفقوا على الاعتزال واختيار الغربة والفرار من بينهم فاعتزلوا منهم واخرجوا من أظهرهم فارين فَأْوُوا وانصرفوا إِلَى الْكَهْفِ المعهود ملتجئين الى ربكم من خوف عدوكم متوكلين عليه في رزقكم ومعاشكم وان انصرفتم ورجعتم كذلك يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بعد ما اخلصتم العمل إياه وفررتم نحوه موائد إحسانه ويبسط عليكم مِنْ سعة رَحْمَتِهِ وجوده ما تعيشون به وتبقون بسببه ان تعلق مشيته سبحانه لإبقائكم وَبعد ما التجأتم الى الله وتوكلتم عليه مفوضين أموركم كلها اليه يُهَيِّئْ لَكُمْ البتة ويسهل عليكم مِنْ أَمْرِكُمْ الذي اخترتم لرضاء الله ورعاية جانبه مِرفَقاً اى ما ترتفقون وتنتفعون به من اللذات الروحانية بدل ما فوتم لأنفسكم من اللذات الجسمانية
وَمن كمال رفق الله إياهم ورأفته معهم تَرَى الشَّمْسَ ايها الرائي إِذا طَلَعَتْ من مشرقها في مدة الصيف حين ازدياد حرارتها تَتَزاوَرُ اى تتقلب وتميل عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ اى جانب يمين الغار لئلا تؤذيهم بشعاعها وحرارتها وَإِذا غَرَبَتْ
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 473